فصل: غزاة بني المصطلق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزاة بني المصطلق:

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعبان من هذه السنة السادسة ثم غزا بني المصطلق من خزاعة لما بلغه أنهم مجتمعون له وقائدهم الحرث بن أبي ضرار أبو جويرية أم المؤمنين فخرج إليهم واستخلف أبا ذر الغفاري وقيل نميلة بن عبد الله الليثي ولقيهم بالمريسيع من مياههم ما بين قديد والساحل فتزاحفوا وهزمهم الله وقتل من قتل منهم وسبي النساء والذرية وكانت منهم جويرية بنت الحرث سيدهم ووقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها وأدى عليه السلام عنها وأعتقها وتزوجها وأصيب في هذه الغزاة هشام بن صبابة الليثي من بني ليث بن بكر قتله رجل من رهط عبادة بن الصامت غلطا يظنه من العدو وفي مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الغزاة وفيها قال عبد الله بن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل لمشاجرة وقعت بين جهجاه بن مسعود الغفاري أجير عمر بن الخطاب وبين سنان ابن واقد الجهني حليف بني عوف بن الخزرج فتثاوروا وتباهوا فقال ما قال وسمع زيد بن أرقم مقالته وبلغها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة المنافقين وتبرأ منه ابنه عبد الله وقال: يا رسول الله أنت والله الأعز وهو الأذل وإن شئت والله أخرجته ثم اعترض أباه عند المدينة وقال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له وحينئذ دخل وقال يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي وإني أخشى أن تأمر غيري فلا تدعني نفسي أن أقاتله وإن قتلته قتلت مؤمنا بكافر ولكن مرني بذلك فأنا والله أحمل إليك رأسه فجزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا وأخبره أنه لا يصل إلى أبيه سوء.
وفيها قال أهل الإفك ما قالوا في شأن عائشة مما لا حاجة بنا إلى ذكره وهو معروف في كتب السيرة وقد أنزل الله القرآن الحكيم ببراءتها وتشريفها وقد وقع في الصحيح أن مراجعته وقعت في ذلك بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وهو وهم ينبغي التنبيه عليه لأن سعد بن معاذ مات بعد فتح بني قريظة بلا شك داخل السنة الرابعة وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة بعد عشرين شهرا من موت سعد والملاحاة بين الرجلين كانت بعد غزوة بني المصطلق بأزيد من خمسين ليلة والذي ذكر ابن إسحق عن الزهري عن عبيد الله وغيره أن المقاول لسعد بن عبادة إنما هو أسيد بن الحضير والله أعلم.
ولما علم المسلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية أعتقوا كل ما كان في أيديهم من بني المصطلق أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق بسببها مائة من أهل بيتها ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بعامين الوليد بن عقبة بن أبي معيط لقبض صدقاتهم فخرجوا يتلقونه فخافهم على نفسه ورجع وأخبر أنهم هموا بقتله فتشاور المسلمون في غدرهم ثم جاء وفدهم منكرين ما كان من رجوع الوليد قبل لقيهم وأنهم إنما خرجوا تلقية وكرامة وروده فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ونزل قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق} الآية.

.عمرة الحديبية.

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السادسة وفي ذي القعدة منها معتمرا بعد بني المصطلق بشهرين واستنفر الأعراب حوالي المدينة فأبطأ أكثرهم فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار واتبعه من العرب فيما بين الثلثمائة بعد الألف إلى الخمسمائة وساق الهدي وأحرم من المدينة ليعلم الناس أنه لا يريد حربا وبلغ ذلك قريشا فأجمعوا على صده عن البيت وقتاله دونها وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغميم وورد خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فسلك على ثنية المرار حتى نزل الحديبية من أسفل مكة وجاء من ورائهم فكر خالد في خيله إلى مكة فلما جاء صلى الله عليه وسلم إلى مكة بركت ناقته فقال الناس خلأت فقال: ما خلأت وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال: والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم نزل واشتكى الناس فقد فأعطاهم سهما من كنانته غرزوه في بعض القلب من الوادي فجاش الماء حتى كفى جميع الجيش ويقال نزل به البراء بن عازب ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش وبعث عثمان بن عفان بينهما رسولا وشاع الخبر أن المشركين قتلوه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وجلس تحت شجرة فبايعوه على الموت وأن لا يفروا وهي بيعة الراضوان وضرب عليه السلام بيسراه على يمينه وقال هذه عن عثمان ثم كان سهيل ابن عمرو آخر من جاء من قريش فقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينصرف عامه ذلك ويأتي من قابل معتمرا ويدخل مكة وأصحابه بلا سلاح حاشا السيوف في القرب فيقيم بها ثلاثا ولا يزيد وعلى أن يتصل الصلح عشرة أعوام يتداخل فيه الناس ويأمن بعضهم بعضا وعلى أن من هاجر من الكفار إلى المسلمين من رجل أو امرأة أن يرد إلى قومه ومن ارتد من المسلمين إليهم لم يردوه.
فعظم ذلك على المسلمين حتى تكلم فيه بعضهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الصلح سبب لأمن الناس وظهور الإسلام وأن الله يجعل فيه فرجا للمسلمين وهو أعلم بما علمه ربه وكتب الصحيفة علي وكتب في صدرها هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي سهيل عن ذلك وقال لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يمحوها فأبى وتناول هو الصحيفة بيده وكتب محمد بن عبد الله ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب فإنها قد ثبتت في الصحيح ومايعترض في الوهم من أن كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل لأن هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخط وأشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه وكانت هذه الكتابة الخاصة من إحدى المعجزات انتهى.
ثم أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده وكان قد أسلم فقال سهيل: هذا أول ما نقاضي عليه فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه وعظم ذلك على المسلمين وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل أن الله سيجعل له فرجا وبينما هم يكتبون الكتاب إذ جاءت سرية من جهة قريش قيل ما بين الثلاثين والأربعين يردين الإيقاع بالمسلمين فأخذتهم خيول المسلمين وجاءوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فإليهم ينسب العتقيون.
ولما تم الصلح وكتابه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحروا ويحلقوا فتوقفوا فغضب حتى شكى إلى زوجته أم سلمة فقالت: يا رسول الله أخرج وانحر واحلق فإنهم تابعوك فخرج ونحر وحلق رأسه حيئذ خراش بن أمية الخزاعي ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما فتح من قبله فتح كان أعظم من هذا الفتح قال الزهري: لما كان القتال حيث لا يلتقي الناس فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام أحدا يفعل شيئا إلا دخل عليه فلقد دخل في ذينك السنتين في الإسلام مثلما قبل ذلك أو أكثر.
ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية هاربا وكان قد أسلم وحبسه قومه بمكة وهو ثقفي من حلفاء بني زهرة فبعث إليه الأزهر بن عبد عوف عم عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريق سيد بني زهرة رجلا من بني عامر بن لؤي مع مولى لهم فأسلمه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتملاه فلما نزلوا بذي الحليفة أخذ أبو بصير السيف من أحد الرجلين ثم ضرب به العامري فقتله وفر الآخر وأتى بصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد وفت ذمتك وأطلقني الله فقال عليه السلام: ويلمه مسعر حرب لو كان له رجال ففطن أبو بصير من لحن هذا القول من لحن هذا القول أنه سيرده وخرج إلى سيف البحر على طريق قريش إلى الشام وانضاف إليه جمهور من يفر عن قريش ممن أراد الإسلام فآذوا قريشا وقطعوا على رفاقهم وسابلتهم فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمهم بالمدينة.
ثم هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وجاء فيها أخواها عمارة والوليد فمنع الله من رد النساء وفسخ ذلك الشرط المكتتب ثم نسخت براءة ذلك كله وحرم الله حينئذ على المسلمين إمساك الكوافر في عصمتهم فانفسخ نكاحهن.